دارمو – هاني هاشم – دمشق:
لطالما ذخرت الدراما السورية منذ البدايات وخاصةً مع انطلاق عمل التلفزيون السوري في ستينيات القرن الماضي بكثير من الأعمال الدرامية المميزة والتي حبست كثيرين خلف شاشة التلفاز لساعات وساعات، الأمر الذي بدأ يشجع الجمهور على التعلق بها والابتعاد شيئاً فشيئاً عن الراديو والصحف والسينما والمسرح.
وليس ذلك بغريب.. فالدراما استطاعت الوصول لكل بيت ولكل فرد في المجتمع عبر الشاشة الفضية، وامتازت بالرشاقة والسرعة وطرح الأفكار الغزيرة بوقت أقصر وطريقة أوضح من السينما والمسرح وغيرها من الفنون.
بدايات دراما البيئة الشامية
مسلسلات البيئة الشامية، هي نمط شائع في الدراما السورية برزت جليةً في تسعينيات القرن الماضي مع طرح مسلسل “أيام شامية” وكان الغرض من طرحه آنذاك تسليط الضوء على حياة دمشق ونشاطات الدمشقيين أيام الدولة العثمانية ثم بداية مرحلة الانتداب الفرنسي وحتى فترة الاستقلال وما بعدها وكل ذلك ضمن نطاق حي من أحياء دمشق يختلف من مسلسل لآخر تلى “أيام شامية”.
وبعد “أيام شامية” تتالت مسلسلات البيئة الشامية، فكان مسلسل “الخوالي” ومسلسل “ليالي الصالحية”، وحديثاً مسلسل “أهل الراية” ومسلسل “باب الحارة” الذي حقق في جزئه الثاني جماهيرية شعبيّة في الوطن العربي دفعت صحيفة “واشنطن بوست” لاعتباره أحد الأعمال التلفزيونية العشرة الأكثر متابعةً حول العالم
انتقادات ومواقف مضادة
ورغم الشعبية الكبيرة، فإنّ هذا النوع من الدراما استقطب انتقادات واسعة سيّما من جهةا الحداثة وحقوق المرأة وغياب الأطر الزمنية والتاريخية والتوثيقية، وذهب عدد من النقّاد لاعتبارها لا تنقل واقع دمشق بشكل حقيقي بل بشكل مشوّه، ناهيك عن وقوعها في فخ التكرار وعدم التجديد وتراجع المستوى الإبداعي.
ورغم كل شيئ جذبت دراما “البيئة الشامية” المنتجين، منذ عرض مسلسل “باب الحارة” بجزأيه، إذ أنها ما زالت تحظى بنسب مُشاهدات ضخمة ليس في سوريا فقط، بل على مستوى الوطن العربي.
رأي مختص
الخبير بشؤون الإنتاج التلفزيوني “ماهر رمضان” أكد لموقع “دارمو” أن أعمال البيئة الشامية يعتبرها المنتجون “خبز السوق” ويدافعون عنها كونها مطلوبة بشكل كبير من دول الخليج العربي الذين يعتقدون أنها مرآة سياحية لسوريا، أما المؤرخون فيرونها تشويهاً لتاريخ مدينة دمشق العريق.
وتابع “رمضان”: ونظراً لما يراه المنتجون حول أعمال البيئة الشامية، فقد تم كتابة أعمال “مودرن” تم إسقاطها على أعمال بيئة شامية كونها متابعة خليجياً بشكل كبير، وهذا الأمر أساء للدراما السورية وأضعفها.
حاجة أم ترف فكري؟
وأوضح “رمضان” أن موسم الدراما يعتمد على رد فعل المشاهد، حيث درجت قبل أعمال البيئة الشامية في الدراما السورية أنواع درامية أخرى حظيت باهتمام المشاهد ومتابعته مثل الفانتازيا وأعمال البيئة الريفية، وبالتالي كل فئة كان لها عصر ذهبي نشطت به، وكذلك الببئة الشامية التي عاشت عصرها الذهبي وزيادة، ولكن استثمار المنتجين الطويل في هذا النوع وصل بالمشاهد لحالة الملل وطلب التجديد.
وحول ظاهرة التكرار والتشابه في أعمال البيئة الشامية أردف “رمضان” : أصبحت هذه الظاهرة مسيئة للدراما السورية التي بدأت تبتعد عن تاريخ دمشق، ولم تعد تستطع هذه الأعمال تقديم أي جديد، وبالتالي أنا ضد تقديم المزيد منها، حيث أخذت فرصتها كاملةً، فدراما البيئة الشامية كما قال أحد الفنانين ذات يوم كمن يزور متحف جميل وبديع، فيمكن أن تزوره وتسمتع به مرة واحدة أو مرتبن بالأكثر وبعد ذلك يصبح مملاً.
هروب من الحاضر إلى الماضي
وقال الخبير في الإنتاج التلفزيوني “ماهر رمضان”: إذا كان الفن مرآة المجتمع فبرأيي المواطن العربي ربما اليوم بات بحاجة للهروب من واقعنا المرير، وربما تكون أعمال البيئة الشامية هي ساحة هروب جيدة له، لأنه إذا تم تجسيد الواقع الذي نعيشه بأعمال درامية سيظهر لنا أعمال مثل “كسر عضم” و”الهيبة” وغيرها من المسلسلات التي ربما لا يروق للبعض الخوض بها أو مشاهدتها كونها تحكي واقع مؤلم وقاسي نعيشه أصلاً.
وتابع: بالمحصلة عمل البيئة الشامية هو عمل فني متكامل الأركان ويأخذ جهداً كبيراً من كتّاب وفنانين ومخرجين وفنيين وشركات إنتاج، ولكن ندرة النصوص اللائقة بهذه البيئة أوصلتنا إلى مرحلة الملل..
