رولا اللحام – دارمو – دمشق:
قامة فنية سورية كبيرة، أثرى الدراما السورية بأعماله المميزة التي ستظل خالدة في ذاكرة الجمهور العربي، الفنان فايز قزق الذي يمتاز بحضوره القوي وقدراته التمثيلية العالية، حيث تمكن من تجسيد العديد من الشخصيات بصدق وواقعية، طيلة حياته المهنية كما يتمتع بصوتٍ مميز جعله من أبرز الممثلين الذين قدموا أعمالاً إذاعية.
موقع دارمو أجرى حواراً مع الفنان فايز قزق وكان له الكلام التالي:
_ كيف ترى المسرح السوري اليوم، هل حاله مرضيٍ بالنسبة لك كابن المسرح والأستاذ بعلومه؟
= المسرح السوري ليس بخير بالتأكيد، فخلال سنوات الحرب القاسية على سوريا فقدنا أشياء مهمة في الأماكن التي كنا نقدم العروض فيها سواء في دمشق أو المحافظات الأخرى، كما كان هناك المهرجان المسرحي الأعتق عربياً والذي يقام في دمشق.
لكن الآن كل الأشياء المحاطة بالمسرح تدل على أنه غير قادر على النهوض بمهماته الإبداعية والإنسانية والفنية، وبات يحتاج لإعادة هيكلة وذلك يتعلق باستقرار المنطقة برمتها، فالفنون والآداب تتأثر بشكل كبير بحالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة العربية.
والمسرح جزء من الثقافة التي باتت تختفي معالمها في الدول العربية كافة، ومن هذه المعالم المكتبات ودور السينما التي وإن وجدت فهي تعرض أفلام أجنبية لا تنتمي لمجتمعاتنا العربية، فالمسرح في سوريا وفي الدول العربية يحتاج لإعادة تفعيل، لكن ذلك لن يكون مجدياً إلا بعد استقرار المنطقة العربية ككل.
_ هل بات جمهور المسرح نخبوياً على اعتبار أن الأعمال قليلة ومنتقاة وعدد المسارح قليل وأن الدراما والسوشال ميديا سحبت البساط من تحت المسرح والسينما؟ وبالتالي هل نحن ذاهبون باتجاه أفول المسرح بشكل عام؟
= يمكن القول أن هذه الظاهرة فقط عندنا في الدول العربية، لكن سوريا وحتى في زمن الحرب بقيت تقدم بعض المنتجات المهمة على مستوى المسرح، عن طريق بعض الفرق التي تقدم عمل أو عملين ثم تختفي ليظهر غيرها، لكن بصورة عامة المسرح آيل للأفول والزوال.
الجمهور بات في أماكن لها علاقة بالتلفزيون والسوشال ميديا والمعابد التي تجد فيها أعداد ضخمة وكذلك في ملاعب كرة القدم، فالجمهور تم سحبه لهذه الأماكن وبالتالي المسرح والساحات الثقافية فقدت أهم عنصر فيها وهو الجمهور.
وجمهور المسرح والسينما والرواية والقصة القصيرة والغناء والموسيقا يربى عبر عقود من الزمن، وذلك يحتاج لإعادة الهيكلة للمسارح وتقديم هذه المادة في المدارس على أنه منهاج تربوي حقيقي أكثر من أنه زائف أو استعراضي.
وزوال المسرح أو أفوله في سوريا ليس فقط بسبب الدراما أو السوشال ميديا وإنما يعود لعدم وجود منظمة أو مؤسسة تملك تمويلاً مادياً لدعم المسرح وضمان استمراره، فالمسرح موجود بكل العالم ولم تُلغِ دوره الدراما، وحتى في فترة الكورونا كان هناك تظاهرات ضد إغلاق المسرح خاصة في الدول الأوروبية، فالأوربيون أجيال تربوا على دخول المسرح ودور السينما والقراءة، وهم يدركون أن هذا الاجتماع الحر في المسرح يجب أن يبقى وإلا تحول الناس في المجتمع إلى أغراب.
_ تفوقت الدراما التلفزيونية على المسرح في العقود الأخيرة من جهة جذب المشاهد وملامسة قلبه وعقله، هل السبب هو نخبوية المسرح وشعبوية الدراما؟ وإذا لا، فما هو السبب؟
= لا علاقة للدراما التلفزيونية بجذب جمهور المسرح، لأن جمهور المسرح مختلف تماماً ولديه مستوى وعي أفضل بكثير من تلك التربية التلفزيونية التي تُقدّم عبر مواد متنوعة ولكنها غير نَزّاعة لرفع وعي الإنسان.
والمسرح اجتماع حر، يجمع الشاب والكبير والمرأة والرجل والغني والفقير وعابر السبيل وابن البلد، على عكس الاجتماع في المعابد أو الأحزاب، فهناك مواصفات محددة لمن يجب أن يدخل إليها.
والمسرح نزّاع لرفع مستوى الوعي عن طريق طرح مشكلة وفتح الحوار حولها، أمام كتلة المشاهدين المتجانسة من حيث الوعي والثقافة والاهتمام، ثم ينتقل الطرح للجمهور الأكبر خارج المسرح، وهناك تأتي الأسئلة والأجوبة ويبدأ النقاش حول ما قُدّم على خشبة المسرح، وتُقدم تلك المشكلة بوسائل تحمل القصة أو الحدوتة ضمن منطق درامي يُقدم على خشبة المسرح.
_ ما هي أهمية أن يكون الفنان في المسرح أو السينما أو الدراما مثقفاً؟ وإلى أي درجة يجب أن تكون ثقافته؟
= الفنان هو إنسان ذو خيالٍ راقٍ جداً وذو ثقافة عالية جداً، لكن جرت العادة أن نطلق هذه الصفة على أي إنسان يخرج في مسلسل خلال موسمين متتاليين أو أن يكون له شيء أو حصة ضمن المسرح، لكن كلمة فنان على أصولها تعني ذلك الشخص الذي يمتلك ثقافة عالية تمكنه من تغيير المفاهيم القائمة في مجتمعه، وثقافته وتسمح له بتقديم ما يمكن أن يرفع من سوية وعي وذائقة جمهوره.
والفنان يستطيع أحياناً أن يغيّر العقلية إذا كان روائياً مهماً مثل “ديستويفسكي” أو فنان مثل “غوته” أو كاتب مثل “نجيب محفوظ” أو مخرج مثل الياباني “أكيرا كيرا ساوا”، كل هؤلاء استطاعوا أن يرتفعوا ويرتقوا بذائقة الجمهور في بلادهم، وهذه الأسماء وأمثالها تستحق أن تحمل لقب فنان.
وفي هذا الوقت لقب فنان بات متداولاً ومبتذلاً بمواقع تدعو للسخرية، فأي إنسان يمكن أن نطلق عليه لقب فنان لمجرد خروجه بإعلان بسيط أو حتى إذا أصبح مشهوراً بعمل شارك به دون أن يملك من الوعي والثقافة ما يرفع به ذائقة الجمهور الذي أطلق عليه هذا اللقب.
_ هل مازال المعهد العالي للفنون المسرحية يُخرّج فنانين يحملون هموم الفن وقضاياه على عاتقهم، أم أن زمن الفنانين النجوم ولّى وأصبح المعهد مرحلة عبور ليس إلا؟
= المعهد العالي للفنون المسرحية هو النبع الأصلي لكل من نراه على المسرح والسينما والتلفزيون والإعلام وساحاته المختلفة والكتابة النقدية وغيرها من الفنون، ويفترض أن يقدم القائمين على المعهد ومن بينهم كنت أنا خلال الأربعين عاماً، كل ما من شأنه لتخريج فنان قادر على العمل في التلفزيون والمسرح والسينما كممثل.
لكن هذا الهجوم الإعلامي والتلفزيوني والسوشال ميديا، أحبط المهمة الأساسية للمعهد، وبات يُخرّج طلاباً أقصى حلمهم أن يكونوا نجوماً في التلفزيون بأسرع وقت، لأن التلفزيون فيه مغريات كثيرة وهي الشهرة والمال الوفير والبريستيج، وكل هذا الشيء يجعل من مُنْتَج المعهد (الممثل والممثلة) في متناول شركات الإنتاج، فتصبح هذه المنتجات مبعثرة لا يستفيد منها مسرح ولا سينما، إلا البعض منهم.
وخفوت السينما وتلاشي المسرح، جعل هؤلاء الممثلين نزّاعون للذهاب فوراً للتلفزيونات وتقديم أنفسهم هناك للحصول على ما يمكن أن يُؤمّن لهم خبرة ومال وخصوصاً خلال هذه الظروف الصعبة في سوريا التي يسعى فيها الجميع للبحث عن سُبل العيش المناسب.
_ كيف ترى الأعمال المعرّبة حالياً والتي أتت من ثقافات مختلفة عن الثقافة السورية، كيف ترى هذا النمط الدرامي هل هو صائب أم خاطئ من وجهة نظرك؟
= أنا ضد هذه الأعمال التي كانت بالأساس مدبلجات واليوم أصبحت محاولة لجعل تلك الأعمال نسخة سورية بهدف تقليد هؤلاء القوم أو غيرهم، وهذه الأعمال مغرية من جهة المال لكنها ليست لنا، لا بالمضمون ولا بطريقة العرض، فنحن نُحتَل وجدانياً من خلالها.
ولا أستطيع أن أقول أن علينا إيقاف هذه الأعمال لأن هناك دائماً مغريات وتسهيلات ومحاولة لتفريغ الساحة الفنية من أبنائها وبناتها، وهو أمر جيد بالنسبة للمستثمرين بهؤلاء الشباب والشابات.
ولدينا مقومات وطاقات من الشباب والشابات، إذا ما أُتيحت الفرصة لهم للعمل بالسينما السورية أو المسرح السوري أو التلفزيون السوري لتُقدم هؤلاء بشكل مهم، فلن يتوجهوا للعمل بهذه الأعمال المعرّبة.
_ ذكرت في أحد تصريحاتك السابقة أن “الدراما السورية لا تزال بخير ووجود شباب محترفين يحبون المهنة يطمئنني”، هل لازال رأيك كما هو، وهل الدراما السورية ما زالت سورية فعلاً بعد دخول المسلسلات المعرّبة وكذلك مسلسلات ال “بان عرب”؟
= نعم الدراما السورية ماتزال بخير، ففي المواسم الدرامية الأربعة والخمسة الأخيرة كان فيها شباب جيدة وجهد كبير وانتظار من قبل الجمهور، لكن أنا كشخص عَمِل معظم حياته في المسرح، مدرباً وممثلاً مسرحياً ومخرجاً مسرحياً، أود أن أرى أن المسرح والسينما تعمل وتتطور في إنتاجاتها الوطنية والمتنوعة والغزيرة بنفس الوقت.
أما بالنسبة للدراما السورية فلا خوف عليها كون المعهد يُخرّج دوماً طلاباً جدد، والأساتذة فيه يُخرّجون طلاباً قادرين على العمل، فالمعهد هو جزء من سر نجاح الفنان السوري بمعنى الممثل التلفزيوني سواء في سوريا أو خارجها.
_ماذا تُحضّر مؤخراً، سواء بالمسرح أو السينما أو الدراما؟
= أنا على مشارف الانتهاء من تصوير مسلسل “الصديقات القطط”، للصديق المخرج محمد زهير رجب، وانتهيت قبل بضعة أسابيع من تصوير مسلسل اسمه “أغمض عينيك” للمخرج مؤمن الملا.