هاني هاشم – دارمو – دمشق
عَمِلَ فن الدوبلاج في سوريا إلى جانب الدراما التلفزيونية، على انتشار اللهجة السورية في الوطن العربي خلال السنوات الماضية، خاصةً بعد اعتمادها في دبلجة المسلسلات التركية، لكنها بدأت بالتراجع كغيرها من الفنون نتيجةً لعوامل عدة.
وكان أول مركز للدبلجة قد تأسس في دمشق عام 1985 وتخصص حينها بدبلجة الأفلام المتحركة، وازدهرت دبلجة الدراما في العام 2004 من خلال دبلجة المسلسلات التركية التي حظيت بحسب مراقبين بمتابعة جماهيرية.
وعقب قرار إحدى القنوات العربية إيقاف عرض المسلسلات التركية المدبلجة عام 2018، توجهت شركات الدوبلاج بشكل أكبر إلى المسلسلات الفنزويلية والمكسيكية والبرتغالية وغيرها لردم الفجوة التي حصلت في هذا القطاع.
وعن حالها اليوم أجرى موقع “دارمو” عدداً من اللقاءات مع فنانين وعاملين في هذا المجال لمعرفة واقع الدوبلاج اليوم في سوريا وهمومه وتأثير ما يحصل عليه من تأثيرات وكان لهم الكلام التالي:
1 – ما هو حال الدوبلاج في سوريا اليوم بعد عصر ذهبي وحرب أثّرت على كل شيء في سوريا؟
“أحمد فرّاج” مشرف فني ومدير شركة “لايت بلو” للدوبلاج أكد لموقع “دارمو” أن كم الاعمال قد ازداد بشكل كبير في فترة الحرب بسبب المستوى الجيد للفنان السوري؛ حيث أن اللهجة السورية مطلوبة في الوطن العربي، بالإضافة إلى أن الأجور تدنت بالنسبة للعاملين في مجال الدوبلاج من فنانيين ومشرفين ومعدين ومترجمين وفنيين ومكساج نتيجة هبوط قيمة الليرة السورية.
بدوره الفنان السوري إياس أبو غزالة كشف لموقع “دارمو” أنه ومنذ بداية ظاهرة الدوبلاج في سوريا سواءً بالعامية أم بالفصحى وحتى اليوم والدوبلاج السوري في الصدارة على المستوى العربي، وطبعاً هذا بفضل الفنان السوري، وقال: أنا متخوف من استقدام بعض الشركات لبعض الأشخاص ليشتغلو في الدوبلاج وهم غير محترفين والهدف تخفيض التكاليف وهذا يؤدي لتخفيض الجودة وهذه جريمة لا تغتفر.
الفنان مأمون الرفاعي قال لموقع “دارمو” الدوبلاج مر بعصر ذهبي بسبب إدراك الجميع أن هذا العمل هو درامي وليس كرتوني أي له حبكة وصراع وذروة ونهاية، ومما لاشك فيه أن الحرب على سوريا أثّرت بشكل كبير في هذا القطاع وخفّت عملية تصدير هذا المُنْتَج الفني
من جهتها الفنانة “دينا خانكان” أوضحت أن حال الدوبلاج اليوم ليس بخير نتيجةً للحرب في سوريا، بالإضافة لوجود تنافسية بين الشركات وخاصةً من جهة الأسعار، وانتشار الشللية التي تؤدي لإقصاء أسماء مهمة واستبدالها بأصوات لاتملك الموهبة والأداء الجيد، وللأسف نسمع أصواتٱ في بعض الأعمال مُخزية، وبالتالي الدوبلاج ليس فقط أن ننجز أكبر كم من الأعمال بل هو فن يُحترم وله أسسه ومبدعيه.
2 – ما الصعوبات التي تواجه قطاع الدوبلاج في سوريا بشكل عام؟.
المشرف الفني “أحمد فرّاج” قال: الصعوبات كبيرة في مجال الدوبلاج، أولها المنافسة الكبيرة على تخفيض سعر دقيقة العمل بين الشركات لكسب الزبون، مما يؤدي الى هبوط في أجور العاملين، ثانياً ارتفاع أسعار الوقود التي أثّرت بشكل كبير على تشغيل الاستديوهات وارتفاع تكلفة الإنتاج، بالإضافة إلى ارتفاع أجور النقل التي يعاني منها كل العاملين في هذا القطاع.
وقال الفنان “إياس أبو غزالة”: أحد أهم الصعوبات حالياً هي ظروف العمل غير الصحية على صعيد الكهرباء والانترنت وهجرة الشباب العاملين في الدوبلاج، ومن جهة ثانية هناك صعوبات خارجبة تتمثل بالعقوبات على سوريا وعدم تعامل الشركات الخارجية مع الشركات السورية خوفاً من العقوبات، رغم اعتماد تلك الشركات على اللهجة السورية بنسبة 90%.
بدوره الفنان مأمون الرفاعي أكد أن الصعوبات في الدوبلاج تتمثل في استسهال البعض لدخول هذا المجال الذي يعتبر أحد فنون التمثيل وليس مجرد أداء لصوت ما، وبالتالي هؤلاء لا يقدموا فناً محترفاً، بالإضافة لوجوب معرفة تفاصيل العمل وقصته ودراسته من قبل المشرف أو مخرج العمل، وعندما لا يتوفر هكذا شخص نرى مستوى العمل بالحضيض، ناهيك عن بعض المعدِّين الذي باتوا غير مهتمين بالنص إلا من جهة “الليبسينغ” أو تطابق الشفاه، وهذا أمر خطير على الدوبلاج ومسيء.
َمن جهتها رأت الفنانة دينا خانكان أن الصعوبات التي تواجه الدوبلاج في سورية بشكل عام هي أسعار البيع والشراء وأحيانٱ مقاطعة بعض المحطات لبعض الأصوات السورية، وقالت: “الأجور أيضٱ مجحفة بعض الشيء بحق فناني الدوبلاج بسبب الإرتفاع غير المعقول لكل نواحي الحياة؛ علماً أن نقابة الفنانين ولجنة صناعة السينما والتلفزيون دائمٱ على قرب ودعم ورفع لسعر المشهد وبأوقات متقاربة بالتعاون مع الشركات.
3- بعد موجة الدراما المعرّبة وسيطرتها على السوق إلى حد ما.. هل بات الدوبلاج في سوريا بخطر؟
المشرف الفني “أحمد فرّاج” قال: لا أعتقد أن الدراما المعرّبة ستؤثر على عمل الدوبلاج فالسوق واسع من محطات ومنصات، وتكلفة عمل الدوبلاج أقل بكثير من تكلفة إنتاج عمل تلفزيوني، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هناك الكثير من الأعمال غير التركية موجودة في السوق مثل الأعمال الإيرانية والهندية والإسبانية وغيرها.
وقال الفنان إياس أبو غزالة: الدراما المعرّبة قد تؤثر ولكن بشكل بسيط لأنها مكلفة جداً مقارنةً بالدوبلاج وتحتاج وقت أطول لإنجازها، وأنا شخصياً أخاف على الدوبلاج من تطور الذكاء الاصطناعي لأنه يتطور بشكل كبير ومتسارع.
من جهته قال الفنان مأمون الرفاعي: بالنسبة للأعمال المعرّبة، الأصل يبقى هو الأصل؛ ويبقى العمل ابن بيئته، ومن يتابع الأعمال الأصلية لن يقتنع بالنسخ المعرّبة وغيرها.
بدورها قالت الفنانة دينا خانكان: لا أعتقد أن الأعمال المعرّبة ستؤثر على الأعمال المدبلجة فلكل منهم محبيه ومتابعيه، والأعمال المعرّبة هي دراما مأخوذة عن الدوبلاج الذي يجب أن نحافظ عليه مااستطعنا؛ لاسيما الهوية السورية التي تم تكريسها في أنحاء العالم عبر انتشار أصواتنا في الأعمال المدبلجة.
4 – لماذا نرى بعض نجوم الدراما التلفزيونية يتجهون إلى الدوبلاج.. أو العكس أحياناً نرى الشركات تلاحق نجوم محددين للعمل بالدوبلاج؟ .. وما الذي يغريهم فيه؟
المشرف الفني “أحمد فرّاج” قال إن السبب هو قلّة الإنتاج التلفزيوني والسينمائي في زمن الحرب؛ مما اضطر بعض الفنانين إلى البحث عن فرص عمل أخرى منها الدوبلاج، فهو بالنتيجة فن، وبعض الفنانين يحبون التنوع فاتجهوا إلى الدوبلاج وهو بالنسبة للبعض متعة وله دخل مادي مقبول بالمقارنة مع أجور بعض الأعمال التلفزيونية.
وقال الفنان إياس أبو غزالة: بعض نجوم الدراما توجهوا للدوبلاج بسبب شُح الأجور بالدراما التلفزيونية، والعمل في الدوبلاج مريح جسدياً ونفسياً من جهة ظروف التصوير الخارجي، أما ظاهرة استقطاب الشركات لنجوم الدراما هي محدودة جداً، ومن حق الجميع أن يعمل كون الدوبلاج هو فن.
بدوره الفنان مأمون الرفاعي قال: لا أرى أن نجوم الدراما متجهين للدوبلاج ولم أشاهد ذلك، والشركات لا تطلبهم كون أجورهم مرتفعة والدوبلاج لا يمكن أن يغطيها، علماً أن النجومية للممثلين في الدوبلاج عادةً تكون للعاملين في مجال “الإينيمي” أو الكرتون وهذا يكون على مستوى الوطن العربي أحياناً.
من جهتها أكدت الفنانة دينا خانكان أن الدوبلاج وبعد هذا النجاح الكبير الذي حققه أصبح مجالاً يتمنى الكل أن يعمل به لأن مردوده المادي أفضل من الإذاعة؛ وفي بعض الأحيان مريح للبعض أكثر من التلفزيون، علماً أنه ليس الكل قادراً على أن يبدع في هذاالمجال.
5 – ما هو مستقبل الدوبلاج في سوريا وإلى أين يتجه؟
المشرف الفني “أحمد فرّاج” قال: صحيح نحن لدينا الفنان المميز والكوادر الفنية الجيدة، لكن أعتقد أن مستقبل الدوبلاج لن يكون جيداً إذا لم نواكب التطور السريع للتكنولوجيا.
الفنان إياس أبو غزالة أكد أن مستقبل الدولاج السوري بيد الفنانين وبيد الشركات والمعنيين سواءً نقابة الفنانين أو لجنة صناعة السينما والتلفزيون؛ وذلك من جهة عدم التهاون بسوية الأعمال المدبلجة التي تستحق الدعم من أعلى المستويات كونها الأولى عربياً والحفاظ على الصدارة يحتاج حس عالي بالمسؤولية من الجميع.
من جهته الفنان مأمون الرفاعي أكد أنه طالما أن هناك محطات تبث المسلسلات المدبلجة فقط لتعبئة زمن البث فمستقبل الدوبلاج ذاهب إلى الأسوأ، لأن هذا النوع من الدراما لا يقدم فكر، ومهمة الدراما هي طرح فكر للتأثير بشكل إيجابي على المجتمع، وللأسف صاحب رأس المال لا يهمه إلا التأثير الآني والربح، وهنا مكمن الخطر على الدوبلاج.
بدورها الفنانة دينا خانكان تمنّت مستقبلاً مضيئاً للدوبلاج في سوريا واستمرار دعم الجهات المسؤولة عن هذا القطاع للمحافظة عليه، وأن يبقى اسم سوريا دائمٱ في الصدارة بكل مجالات الدراما والمهن الفنية وليس الدوبلاج فقط.