أحب السينما منذ نعومة أظفاره، ولاحق تفاصيلها بكل محبة وشغف حتى بدأ يكتشف أسرارها وهو صغير ثم درسها وتمرّس بها وهو في سن الشباب، واليوم وصلت به ووصل بها للعالمية.. هو المخرج والمنتج السوري “أنور قوادري” والذي خصّ موقع “دارمو” باللقاء التالي.
هاني هاشم – دمشق:
بدايةً لو نتحدث عن البدايات وكيف وصل المخرج أنور قوادري للعالمية؟
طريقي في الوصول إلى السينما العالمية لم يكن سهلاً ومفروشاً بالورود، بل كان شائكاً وصعباً، لأن الدخول بالإنتاج والإخراج السينمائي وكتابة السيناريو السينمائي في السينما العالمية يجب أن يخصع لشروط ليست سهلة مفروضة من قبل نقابة السينمائيين البريطانيين، ومن هذه الشروط إنجاز عمل سينمائي مطروح بالأسواق العالمية.
ولحسن حظي أني عندما درست السينما وتخصصت بالإخراج والإنتاج والمونتاج وتأسست في سوريا على يد والدي المنتج “تحسين قوادري”، عندما كان ينتج أفلاماً مشتركة مع مصر ومنها أفلام دريد لحام ونهاد قلعي مثل فيلم “الصعاليك” مع مريم فخر الدين، وفيلم “خياط السيدات”، ومن ذلك الوقت تعلمت ألف باء السينما، وعملت في فيلم “الزائرة”، مع المخرج العظيم “هنري بركات” والمنتج “نادر الأتاسي” وهو شريك والدي، والذي شجعني على الدخول أكثر في مجال السينما، وأيضاً اطلعت عن قرب على تجربة الراحل مصطفى العقّاد أثناء تصويره فيلم الرسالة، حيث كنت فيها أتعلم المونتاج وتكنيك السينما.
أما مشروع تخرجي كان اسمه “بولينا” ويحكي عن قصة فتاة قتلت في الحرب العالمية الثانية ومدته 15 دقيقة، ومزجتُ فيه بين الأفلام الوثائقية والدراما، وحصلت من خلاله على جائزة في مهرجان شيكاغو السينمائي عام 1978،
ومما زاد معرفتي هو دراستي الأكاديمية للسينما في لندن، وبعد ذلك تعرفت على عضو في نقابة السينمائيين البريطانيين اسمه “تيودور غيتس” وهو كاتب السيناريو الذي ساعدني في البدايات، وبدأت تجربتي السينمائية في بريطانيا معه، حيث أعطاني سيناريو فيلم صغير اسمه “حب مع الأبراج” لأخرجه سينمائياً، وأخرجتُ الفيلم الذي تم عرضه في صالات لندن وأصبح له شهرة واسعة، ثم بدأت بفيلم آخر اسمه “غرفة الانتظار” الذي يتحدث عن التفرقة العنصرية بين الملونين ومدته 16 دقيقة، والذي منحني شهرةً كبيرةً في بريطانيا.
وبعد ذلك تعاونت مع كاتب بريطاني من أصول يونانية يدعى “ريمونت كريستولولو”، وكتبنا قصة “كسارة البندق” حيث تبناها المنتج السوري “نادر أتاسي” الذي كان داعماً لإنتاجي العالمي، وتم ترشيح الممثلة “جوان كولنز” للعب دور البطولة في الفيلم، ومن هنا دخلت السينما العالمية من أوسع أبوابها، وأخرجت فيلم “كلوديا” وفيلم “أوت أوف تايم” وعدة أفلام مهمة جداً في السينما العالمية.
تجربتي في الدراما والمسلسلات “قليلة”
أين المخرج أنور قوادري بعد مسلسل “عرب لندن”؟ ولماذا لم نعد نراك متوجهاً للدراما السورية المحلية ومشاركاً في إنتاجها؟
تجربتي في الدراما والمسلسلات كانت قليلة على اعتباري درست وعملت أكثر في مجال السينما، ولكن عندما كانت تلفتني أي فكرة مهمة كنت ألجأ إلى الدراما وكان ذلك في مسلسلي “سحر الشرق” و”عرب لندن”، حيث كنت أول من أطلق فكرة دراما “بان أراب”.
كتبت مسلسل “Happy Hotel” والذي تدور أحداثه في لبنان ويحكي قصة صفقة الغاز في البحر المتوسط وهو من نمط “بان أراب”، وتوقف العمل بسبب جائحة كورونا، وفي فترة الحظر كتبت فيلم سينمائي اسمه “My Way” وسيكون بنمط” أنجلو أراب”.
بعد الحرب السورية شهدنا موجة نزوح كبيرة لأوروبا.. هل لديك خطة لعمل درامي جديد يعكس حياة السوريين هناك؟
تطرقت سابقاً لقصص ومعاناة العرب والسوريين في بلاد المهجر وهو أمر غاية في الأهمية، ومن الممكن أن يكون هناك مشروع جديد يحكي عن معاناة السوريين في المهجر عندما يتواجد شيء مناسب، وحالياً أنا مشغول بنص يتحدث عن سيرة حياة الفنان الراحل “محمد عبد الوهاب” واسم المسلسل “عابر للعصور”، ولكن بانتظار الحصول على دعم مادي لتمويل هذا المسلسل وكذلك مسلسل”Happy Hotel” و”My Way”.
ما رأيك بالدراما السورية حالياً.. هل أنت راضي عن أداء العاملين فيها بكل المجالات؟ هل لا تزال الدراما السورية بخير؟
الدراما السورية شهدت تراجعاً كبيراً بسبب الحرب في سورية، حيث كانت بأوجها قبل الحرب ورغم أن هناك محاولات جادة ومميزة إلا أنه للأسف الكثير من الأسماء المهمة للفنانين والمخرجين والكتاب إما هاجروا أو يعملون للخارج بين لبنان والخليج ومصر، وهذا الشيء يعتبر انتكاسة، لذلك أنا غير راضي عن الدراما الحالية ولا تقارن بالأعمال الدرامية أيام التسعينات وأول الألفية الجديدة.
هناك بوادر جيدة لنهوض الدراما السورية من جديد، وهناك وجوه شابة جيدة أراها تظهر على الساحة الفنية، وأنا من جهتي سأستعين بكادر كبير من الفنانين السوريين بمسلسلي الجديد “Happy Hotel”، وسأساهم بشكل كبير بدعم هذه المواهب.
والدك المنتج تحسين قوادري كان من مؤسسي لجنة صناعة السينما والتلفزيون في سوريا.. ما هو تأثيره على حياتك المهنية؟ وماذا قدم لك؟
والدي المنتج الراحل “تحسين قوادري” كان له تأثير كبير جداً على مسيرتي المهنية، حيث ولدت ببيت سينمائي، وسمّاني والدي “أنور” تأثراً بالفنان المصري الكبير من أصول سورية “أنور وجدي”، أحد رواد السينما العربية، وكان والدي يوزع له أفلامه في سوريا، ورغم ذلك لم يكن أبي متشجعاً لفكرة دخولي في هذا المجال لما فيه من معاناة كبيرة، لكنه لم يقف ضدي، وعندما أحس بشغفي للمهنة قدّم لي الدعم الكبير، سواءً في سوريا وحتى عندما سافرت إلى لندن، وكان صاحب فكرة أن يكون فيلم “جمال عبد الناصر” الذي قدمته بنسخة عربية، حيث كان الفيلم مقرر أن يكون عالمياً،وبسبب تقاعس الممولين تم تحويله لنسخة عربية، والذي من خلاله قدمت نجوماً مصريين لأول مرة في مسيرتهم الفنية مثل خالد الصاوي وخالد الصالح وغادة عبد الرازق.
سوق إيرادات للأفلام
كان لك تجارب بالسينما العالمية.. لو نتحدث عن هذه التجربة الخاصة مع نجوم عالميين وبرأيك لماذا لا نرى السينما السورية حتى الآن تصل للعالمية إلا بتجارب فردية ونادرة؟ ما الذي ينقصها؟
الفيلم العالمي له مواصفات من الصعب الوصول إليها لأي كان مثل وجودث سوق إيرادات للأفلام وتمويل ضخم، وهذا يندرج على السينما الأمريكية والبريطانية، وهي تختلف عن الأفلام الفرنسية والإيطالية والإسبانية التي تبقى محلية مهما كانت عظيمة.
وبالتالي فالإنتاج الضخم للأفلام الأمريكية وفي هوليود تحديداً حيث ميزانية أي فيلم تكون بملايين الدولارات لا يستطيع أحد منافستها، وعليه حتى لو كان هناك أفلام سورية أو عربية ترقى للعالمية لكنها لن تستطيع المنافسة على مستوى العالم وبأفضل الأحوال يتم عرضها عبر شاشات القنوات الأوروبية.
الرئيس الراحل “جمال عبد الناصر” لاشك أنه شخصية مهمة بالمنطقة وفي تاريخ العرب.. ما الذي قدمه المخرج أنور قوادري في هذا الفيلم وما الرسالة منه؟
فيلم جمال عبد الناصر أنجزته عام 1998 وكان تحدي كبير، حيث أحببت من خلاله أن أنجز فيلماً للتاريخ وللأجيال القادمة وألا يكون تحت سيطرة العائلات، وحدث أن حصل خلاف بيني وبين هدى عبد الناصر بسبب قصة الفيلم ولكن تم حله لاحقاً علماً أني حصلت على كل الموافقات الرقابية وكان هدفي تقديم عبد الناصر الإنسان أكثر من عبد الناصر الزعيم حيث حاولت طرح فكرة تأثير السياسة على حياته العائلية والشخصية وفتحت بعد ذلك الطريق للدخول بعلاقة عبد الناصر بالمشير عبد الحكيم عامر، وبالمحصلة كان إنتاجاً رائعاً وأفتخر به كإنجاز مهم في حياتي المهنية.
هل هناك تحضيرات لأعمال جديدة؟
أعمالي القادمة هي فيلم “My way” وسيتم تصويره في السعودية ولندن والقاهرة وأقدم به تحية لأحمد زكي وروبيرت دينيرو وفرانك سيناترا وهو قصة عالمية مشوقة لها أبعاد إنسانية وفق تركيبة معينة وبأسلوب خاص عالمي
وأيضاً أعمل على مسلسل Happy Hotel الذي يتحدث عن صفقة الغاز في البحر المتوسط وهو من نوع “بان آراب” وهو 30 حلقة، ولكن لن نتمكن من عرضه في موسم رمضان المقبل وبالتالي عرضه ربما سيكون العام القادم.
وأيضاً أعمل على مسلسل “عابر للعصور” وهو عمل لا يتحدث فقط عن السيرة الذاتية والفنية للفنان الراحل “محمد عبد الوهاب” بل هو حديث عن عصر وحقبة ذهبية من الفن الأصيل شملت الكثير من نجوم الفن في تلك الفترة وأعتقد أن هذا العمل سيكون كبيراً ومهماً.