خلال تسعينات القرن الماضي، دخلت رائحة البيئة الشامية، بنارنجها، وأزقتها الضيقة، بقبضاياتها، وفسحة “أرض الديَار”، كل منازل سورية، لكنها لم تقل “يالله يالله”، لأن ساحتها شاشة التلفزيون، ومنها امتدت لتصبح ظاهرة، لم تقف عند اجتياح المنازل محلياً، إنما وصلت إلى مختلف البلدان على الصعيد العربي والعالمي، الدراما الشامية، تلك الظاهرة، التي أصبحت هوية أساسية للدراما السورية، تعد نوعاً من الأعمال الدرامية التلفزيونية، عرف نجاحا كبيرا كونه يوثق حياة أهل الشام بدءًا بالمسكن والملبس والمأكل والمشرب وانتهاءً بالعادات والتقاليد ونمط الحياة العامة، خلال فترة الاحتلال العثماني أو بداية مرحلة الانتداب الفرنسي على سورية، أولها كان “أيام شامية” وهو من تأليف أكرم شريم، وإخراج بسام الملا، وإنتاج التلفزيون السوري، لعب بطولته عباس النوري، خالد تاجا، رفيق السبيعي، سامية الجزائري، وفاء موصللي، سليم كلاس، ناجي جبر والعديد من الفنانين الكبار.
لتتوالى بعده الأعمال الشامية مثل “الخوالي” و”ليالي الصالحية” وغيرها من المسلسلات التي تعد امتداداً لذاك العمل، سيما من حيث البيئة، ليبدأ بعدها الجزء الأول من “باب الحارة” الذي صنف من أكثر 10 أعمال متابعة حول العالم.
صناع العمل لم يكتفوا بجزء وحيد، وإنما توالت الأجزاء حتى وصلت إلى التسعة رغم الانتقادات الواسعة التي طالته، خاصة من ناحية رفضه الحداثة وغياب حقوق المرأة وتشويه تاريخ دمشق بتطويع المستحيل ليصبح حقيقةً ممكنة، إلى جانب الوقوع في أخطاء تقنية واضحة، منها تبدل إسناد بعض الأدوار من ممثل لآخر على مدى مختلف الأجزاء “إما بسبب وفاة الممثل أو اختلاف على أجر مادي أو الاعتراض على النص”، إضافة إلى عودة إحدى الشخصيات للظهور بدور جديد، رغم موتها في جزء سابق، وتبدل كتابه ومخرجيه، إلى جانب نشوب خلافات كبيرة بين شركتي “ميسلون” و”قبنض” على حقوق ملكيته، غير آبهين بكل ما يقال.
الجمهور العربي لن ينتظر هذا العام شارة “يا أهل المروة”، ولن يترقب التغييرات التي طرأت على عائلة أبو عصام من طلاق أم عصام أو استرجاعها، أو حتى تبدل أدوار زوجات ابنهما عصام لأن السلسلة الشهيرة لن تكون وجبة محطة الـ MBC على المائدة الرمضانية كما اعتاد الجمهور على مدار أجزائه، فالجديد توقف إلى أجل غير مسمى، والأمر مرتبط بإدارة القناة باعتبارها صاحبة القرار بإنتاجه، خاصة أنها لا تعيش أفضل حالاتها في الوقت الحالي.
انفرط طوق البنات:
إلى جانب باب الحارة، يتغيب عن الموسم المرتقب أيضاً الجزء الخامس من مسلسل “طوق البنات” إنتاج شركة “قبنض” رغم شروع صناعه في تنفيذه، إذ يلوح في الأفق أقاويل أن السبب يرجع لرفض بعض المحطات شرائه، لكن الشركة ذاتها بدأت مؤخراً بتنفيذ الجزء الثالث من مسلسل “عطر الشام” في ظل غياب معظم أبطاله، إذ استغنت عن كل ممثل يطلب أجراً عالياً، وبنت السيناريو الجديد بناءً على ذلك، وعلى رأسهم الممثل رشيد عساف البطل الأوحد (الذي سيظهر فقط في الحلقات الـ 9 الأولى كونهم صوروا دفعة واحدة مع الجزأين الأول والثاني)، ليبرر غيابه في الحلقات التالية بقتله من قبل قوات الاحتلال الفرنسي، والكلام ذاته ينطبق على صباح الجزائري وليليا الأطرش وإمارات رزق ونجاح سفكوني وسليم صبري، أما حسام تحسين بيك فالخلافات الشخصية بينه وبين صاحب شركة الإنتاج حالت دون تواجده.
إلى جانب هذا العمل، ينتظر محبو البيئة الشامية عمل آخر من إنتاج “قبنض” أيضاً، يحمل عنوان “حريم الشاويش”، إخراج أسعد عيد، تأليف هاني زينة، فيما يلعب بطولته زهير رمضان، جيني اسبر، سعد مينا، اندريه سكاف، علي كريم ، سوسن أبو عفار، ريم عبد العزيز، علا باشا، مي مرهج ، خلود عيسى، نزار أبو حجر، حسام عيد، عاصم حواط ، رضوان عقيلي، أمانة الحكيم، أمية ملص، سوسن ميخائيل، غادة بشور، طوني موسى، فاتح سلمان، عبد الفتاح مزين، ونجم “ذا فويس كيدز” عبد الرحيم الحلبي وغيرهم.
المخرج قال في تصريح لموقع “بردى” أن “العمل يعتمد على الحس البصري وليس الشكل على حساب المضمون إذ هناك تزامن بينهما، بعيداً عن حارات المدن التي تم بنائها في ريف دمشق لتصوير الأعمال الشامية”.
العمل يندرج ضمن إطار البيئة الشامية لكنه يختلف عن كل ما سبق وقدم، بحسب المخرج، حيث يتناول فترة أواخر الحكم العثماني، في محاولة منه لإعادة البيئة الشامية الى أصالتها وعاداتها وتقاليديها ولهجتها “بعيداً عن اللهجة العريضة، ووجود الزعيم والقبضاي والخنجر”، كما أنه لا يخلو من الحس الكوميدي ذو الطابع الإنساني والذي يعتمد على كوميديا الموقف ويبتعد عن المبالغة، إلى جانب الحس الرومنسي والبوليسي.
إذا فالجمهور سيكون على موعد مع عملين شاميين فقط هذا العام، بعد أن كان ترأس هذا النوع قائمة الأعمال في مواسم رمضان الأخيرة.