رولا اللحام – دارمو – دمشق:
صاحب قلم مبدع في الكتابة الدرامية والصحفية؛ اختير ليكون من بين أكثر 100 شخصية عربية مؤثرة في العالم في مجال الفكر لعام 2014. يمتلك الكاتب والسيناريست والصحفي السوري “حسن م يوسف” مسيرة غنية بالإنجازات الثقافية والإعلامية تحدث عبر موقع “دارمو” بهذا الحوار الخاص:
– لديك زاوية في صحيفة الوطن اسمها “من دفتر الوطن”، ماذا تعني لك هذه الزاوية، ما الذي تحاول إيصاله من خلالها؟
أكتب الزاوية الصحفية منذ ما يزيد عن نصف قرن وقد تكون زاوية (قوس قزح) التي أسسناها في مطلع الثمانينات وليد معماري، وقمر الزمان علوش وتميم دعبول وهي من أشهر الزوايا الناقدة في تاريخ الصحافة السورية.
قبل أن أتحدث عما تعنية الزاوية الصحفية بالنسبة لي أود أن أشير إلى أنني بدأت حياتي كاتب قصة قصيرة وفزت بعدة جوائز هامة، لكن الأدب لا يطعم خبزاً لذا كان لابد من العثور على عمل يؤمن لي دخلاً مستمراً وقد كانت الصحافة الثقافية هي الأقرب لمجال اهتمامي، في البداية كتبت النقد السينمائي والتحقيق، لكنني سرعان ما تخصصت في الزاوية الصحفية النقدية سواء منها الساخرة أو الجدية.
وقد كانت الزاوية الصحفية بالنسبة لي بمثابة رئة ثالثة أتنفس من خلالها، فرد الفعل على العمل الأدبي قد يتأخر لسنوات وسنوات، أما الزاوية الصحفية فرد الفعل عليها يومي، وقد سبق أن عبرت عن هذه الخاصية في منمنمة نشرتها في كتابي “عبثاً تؤجل قلبك”:
“قلت يوماً: أيها الصحفي مجدك يوم
وعارك إلى الأبد!
أقول الآن: يوم الحقيقة أبد.”
-لماذا لم تترك سوريا رغم العروض الكثيرة التي عرضت عليك خارج سوريا وتحدثت عنها في مقابلات سابقة؟
في مطلع سبعينات القرن الماضي شاهدت فيلم (المخدوعون) المأخوذ عن رواية (رجال في الشمس) للمبدع الشهيد غسان كنفاني، إخراج المبدع الكبير توفيق صالح، وقد استهل المخرج فيلمه بعبارة مقتبسة من الشاعر محمود درويش ما أزال أحفظها بحرفتيها حتى الآن: وأبي قال مرة: “الذي لا يملك وطناً ليس له في الثرى ضريح… ونهاني عن السفر.
أعترف أنني كنت وما أزال أحب السفر كثيراً لدرجة أنني كدت أسمي ابني سفر، لكنني كنت دائماً أحب العودة أكثر، أعترف أن بعض العروض التي تلقيتها، للعمل والإقامة في الخارج، كانت مغرية جداً، وقد كدت أقبل أحدها، لكنني لحسن حظي التقيت صدفة قبل توقيع العقد مع صحفي سوري على كورنيش أبو ظبي راح يحدثني عن غربته عن أولاده الذين كبروا هناك وما عادوا يريدون العودة إلى سورية، ونظراً لأن أولادي هم أهم شيء في حياتي فقد قررت في تلك اللحظة إلغاء الفكرة، ولم أندم على ذلك القرار أبداً.
كان ذلك قراري في زمن السلام، وعندما بدأت الحرب على وطني سورية، أدركت منذ الأشهر الأولى أن الهدف السري لتلك الحرب هو تدمير الدولة السورية، لذا اتخذت قراراً نهائياً عبرت عنه على صفحتي في الفيس بوك: “لن أغادر سورية إلا إلى تحت ترابها”.
ومنذ ذلك الوقت وأنا أعمل بأقصى طاقتي فإضافة لعملي الاحترافي في مجال السيناريو فأنا أكتب مقالاً أسبوعياً في جريدة الوطن وحديثاً أسبوعياً في إذاعة دمشق كما أعلم السيناريو في دبلوم علوم السينما وفنونها وفي المعهد العالي للعلوم السينمائية.
رأينا حسن م يوسف في مسلسلات نالت شعبية واسعة على مستوى سورية والوطن العربي متل أخوة التراب ونهاية رجل شجاع وسقف العالم وغيرها.. لماذا لم نعد نراك في هكذا أعمال؟
كاتب السيناريو هو أضعف حلقة في سلسلة العمل الإبداعي، سواء في السينما أم في الدراما التلفزيونية، وقوة أية سلسلة تحددها أضعف حلقة فيها.
أنا شخصياً لست مولعاً بالتلفزيون، فحبي الكبير في مجال الفنون المرئية هو السينما، لكنني لم أحظ بفرص تذكر في مجال السينما، لذا حاولت أن أتكلم باللغة السينمائية من خلال الدراما التلفزيونية.
لعل أهم سمات تجربتي ككاتب دراما تلفزيونية هو أنني لا أكتب المسلسل إلا بناء على تكليف مسبق وكل الأعمال التي وردت أسماءها في سؤالك كتبت بناء على تكليف مسبق، أي أنني كنت أتقاضى أجري عليها وأنا أكتبها!
من المعروف أن السينما والدراما التلفزيونية هي فن وصناعة وتجارة، لكن المرحلة الحالية أفرزت نوعاً من المنتجين تمكنوا من العبث بطبيعة العمل الدرامي فحولوه من تجارة وفن وصناعة، أي أنهم وضعوا الفن والصناعة في خدمة التجارة، وهذا تطور خطير من شأنه في حال استمراره أن يدمر الفن في سورية تدميراً كلياً.
أعترف أنني خلال السنوات العشر الماضية لم أتلق أية دعوة للكتابة من قبل أية جهة منتجة داخل سورية عدا الدعوة التي وجهتها لي الصديقة الأستاذة ديانا جبور لكتابة مسلسل “حارس القدس”.
صحيح أن بعض المنتجين طلبوا مني كتابة مسلسلات تتمحور كلياً حول الخيانة الزوجية، لكنني رفضت المشاركة في (الحملة) المشبوهة، التي تمولها جهات رجعية هدفها الإساءة لمجتمعنا بالدرجة الأولى.
هناك من المتابعين من يعزو تراجع الدراما السورية بالسنوات الأخيرة لعدم توافر النص الجيد، هل نعيش حالياً أزمة كتّاب دراما في سوريا؟
النص الجيد مثل الذهب وغيره من المعادن الثمينة، لا يمكن العثور عليه في الدروب أو على طاولات المقاهي! خلق النص الجيد يتطلب وجود بيئة جيدة يعامل فيها الكاتب المحترم بشكل لائق لكن المنتجين التجار يعاملون كاتب السيناريو كما لو أنه بائع بطاطا، أو بائع فشة في السوق العتيق.
هناك خراب فظيع في أخلاقيات الوسط الفني فمن يخاطبك عندما يلتقيك بـ (أستاذنا) و(حبيبنا) ما أن تدير ظهرك حتى يصفك بما ليس فيك!
أقول بالصوت العالي: لا توجد أزمة سيناريو، توجد أزمة مستفحلة في عقلية القائمين أو القاعدين على الإنتاج، فهم يفعلون ما يشتهون بسبب عدم وجود قوانين ناظمة للعملية الإنتاجية!
أين ترى الدراما السورية بالفترة الأخيرة؟، في تراجع أم تحسن؟ وما الذي ينقصها حتى تعود إلى ما كانت عليه قبل الحرب؟
أحسب أنني لن أستطيع تقديم إجابة منطقية على هذا السؤال، لأنني لا أتابع كل ما ينتج من أعمال درامية في سورية، صحيح أن عدد الأعمال المتميزة قد انخفض بسبب الظروف العامة، لكن المبدعين السوريين لم يكفوا عن الحلم، وهم في كل موسم يقدمون أكثر من عمل إبداعي يثبت ذلك.
لاشك أن الإنتاج قد تأثر إلى هذا الحد أو ذاك كماً ونوعاً، لكن جذوة الإبداع في الدارما السورية ماتزال متقدة، ويمكن للدراما السورية أن تستعيد مكانتها الرائدة وأن تقدم إضافات لما أنجزته إذا ما تم وضع قوانين ناظمة للعملية الإنتاجية وأعيد تفعيل دور المنتج الفنان.
كيف يرى حسن م يوسف ممثلي الدراما الشباب في سوريا اليوم؟
لست أعرف كل ممثلي الدراما الشباب، لكنني أود التأكيد على أن بطن سورية أخضر، وهو لا يكف لحظة واحدة عن إنجاب المبدعين في كل مجالات الحياة.
ثمة ظاهرة بدأت تستفحل مؤخراً هي ظاهرة النجم -الفقاعة، الذي يتم نفخه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، صحيح أن هذه الظاهرة لا ينجذب إليها إلا أنصاف وأرباع الموهوبين، لكن خطورتها تكمن في أنها بدأت تستدرج بعض الموهوبين مما بات يشكل خسارة للحياة الفنية.
أود أن أهمس للفنانين الشباب بالفكرة التي أطلقها إنشتاين: لا تبحث عن النجاح بل اصنع قيمة، وعندما تصنع قيمة سيعدو النجاح من تلقاء نفسه خلفك!
هل تراجع اليوم الأدب والكتابة بسبب المعلومات المعلبة والجاهزة الموجودة في السوشال ميديا؟
لم تبدأ مسألة تفكيك اللحظة الإنسانية مع بروز مواقع التواصل الاجتماعي، بل بدأت مع اختراع الراديو الذي يُمَكِّن المتلقي من الانتقال السريع من موضوع لموضوع آخر، ومن مزاج لمزاج آخر لكن الأمر بات منتشراً على نطاق أوسع مع انتشار الهواتف المحمولة وما رافقها من تطبيقات ذكية تخدم الغباء إلى حد كبير.
أما فيما يتعلق بالأدب والدراما فما يزال المبدعون في العالم يكتبون، وما يزال المعنيون بالأبداع الحقيقي يقرؤون، في الماضي كانت أمية الحرف هي العائق أما في أيامنا فهناك ضرب أخطر من أمية الحرف هو الأمية الثقافية، وهي إلى ازدياد خاصة في البلدان المتقدمة!
ما هي آخر أعمالك الأدبية والدرامية، هل تحضر لعمل جديد (كتاب أو مسلسل) أو غير ذلك؟
آخر ما أنتجته في مجال الدراما هو مسلسل “حارس القدس” وفيلم “المطران” من إخراج الصديق الأستاذ باسل الخطيب، أما في مجال الأدب فقد نشرت مؤخراً مجموعة قصصية لليافعة بعنوان “بحرور العوام” صدرت عن الهيئة العامة السورية للكتاب.
وأنا أشتغل حالياً على عمل درامي أرجو أن يعلن عن نفسه قريباً.
وحسن م يوسف من مواليد 1 شباط /فبراير 1948 في قرية الدالية، بريف اللاذقية، وألّف إحدى عشر كتاباً أدبياً وكتب إحدى عشر مسلسلاً تلفزيونياً وإذاعياً ومسرحيتين وخمس أفلام، وحاصل على ثلاث جوائز أدبية، وشارك في لجان تحكيم عدد من المهرجانات الفنية والمسابقات الأدبية.
كتب استطلاعات وتحقيقات صحفية عن عُمان والعراق ومصر وسورية والصين والهند وهنغاريا وقرغيزيا وفنلندا وأمريكا.
تُرجمت بعض قصصه إلى الفرنسية والإنجليزية والصينية والأسبانية والروسية، وكُتبت عنها أطروحات جامعية.
أجرى حوارات مع عدد كبير من أبرز الوجوه الثقافية العربية والعالمية منها: فانيسا ريدغريف، وسعيد حورانية وميرنال سين وعاصم الباشا وعبد الرحمن منيف ونيقولاي خايتوف ومريام ماكيبا ودريد لحام وعادل قرشولي وعلي فرزات وجنكيز إيتماتوف وزياد الرحباني وثيو أنجيلوبوليس وخوسيه ميغيل بويرتا.