فرح درويش – دارمو – دمشق: يعد فن التمثيل الصوتي او الدوبلاج من أكثر الفنون الرائدة بسوريا، اذا تحوي دمشق الكثير من شركات الانتاج التي تتبنى هذا الفن منذ ثمانينات القرن الماضي، وعملت على دبلجة آلاف الأعمال الاجنبية والتركية والهندية والايرانية وغيرها، إلى جانب اهتمامها بفن “التعليق الصوتي” وانتاجها للكثير من الأفلام الوثائقية ايضاً.
وكبقية المهن الأخرى والفنون، تأثر الدوبلاج وشركات انتاجه بتحرر البلاد وسقوط النظام السوري السابق، اذ اشتكى الكثير من ممثليه من قلة فرص العمل إلى جانب انخفاض سعر المشهد، وتوقف بعض شركات الانتاج عن توفير أعمال.
موقع “دارمو” التقى عدداً من ممثلي فن “الدوبلاج” والذين أطلعونا بدورهم على الصعوبات التي تواجه هذا الفن اليوم، وكشفوا لنا كيف تأثر القطاع بسقوط النظام السابق.
تراجع واضح
يؤكد أحمد فراج وهو مشرف فني ومدير عمليات الدوبلاج في احدى شركات الانتاج، أن فن الدوبلاج اليوم يمر بواقع حساس ومعقد، خاصة في ظل التحولات السياسية والاجتماعية الأخيرة التي شهدتها البلاد.
كما أنه شهد تراجعاً واضحاً خلال السنوات الماضية، بعد أن كان في صدارة المشهد العربي، والسبب هجرة الكفاءات وانكماش سوق الإنتاج وتراجع اهتمام القنوات العربية بالدوبلاج السوري، وما ساعدها على الاستمرار في ظل هذا التراجع محاولات الفنانين الفردية المخلصة لهذه المهنة، والذين حافظوا على نوعية الأداء، بالإضافة لجهود شركات قليلة ما زالت تؤمن بالمهنة وتحاول تقديم محتوى جيد رغم كل الظروف.
وقال إن أبرز الصعوبات التي كانت تواجه هذه المهنة هي غياب الدعم المؤسسي، وانخفاض أجور الفنانين مقارنةً بما كانت عليه، إضافة إلى ضعف السوق المحلية بعد تراجع الشراكات الإقليمية، وغياب منصات توزيع قوية يُعتَمد عليها.
صدمة مؤقتة
وأضاف أن القطاع واجه صدمة مؤقتة بعد سقوط النظام السابق، بسبب غياب التنظيم والضبابية في المرحلة الانتقالية، وشعر الكثير من الفنانين بعدم الاستقرار، وتوقفت شركات عن العمل و جمّدت نشاطها، لافتاً إلى أن القطاع سيعود للازدهار حال استثمرت هذه المرحلة بشكل سليم، ونظم القطاع من جديد ضمن بيئة حرة ونزيهة، ويتوقع أن يكون المستقبل أكثر إشراقاً، خاصة مع انفتاح السوق السورية على الخارج مجدداً.
الصعوبات
وحول الصعوبات التي تواجه هذا الفن وممثليه، أوضح باسل الرفاعي وهو ممثل دوبلاج، أن الصعوبات كثيرة أولها غياب الدعم الإنتاجي وضعف التمويل، بالإضافة لافتقاد البنية التحتية اللازمة لتقديم أعمال عالية الجودة، إذ تراجع المهنة لم يكن فقط بعدد الأعمال أنما على مستوى الأداء والتقنيات أيضاً، وهذا ما أفقد السوق بريقه ودفع الشركات الكبرى إلى البحث عن بلد جديد للعمل فيه.
بالاضافة إلى ذلك تسبب سقوط النظام في حالة فوضى وغياب تنظيم، خاصة مع تفكك المؤسسات القديمة التي كانت تدير جزء من هذا القطاع، وفقدان الممثلين لمرجعياتهم، سواء من ناحية الحقوق أو التنظيم، إلى جانب عدم توفر حماية للعاملين فيها، وغياب الضمانات المادية وضعف الأجور، وعدم وجود أي نظام تأميني أو نقابي لحمايتهم، خاصة الشباب الجدد الذين لا يجدون مراكز تدريب حقيقية، ولا يمكنهم الدخول إلى المهنة دون وجود وسيط “معارف” إذ أن هذه المهنة فقدت جودتها ولم تعد تهتم للموهبة بل للواسطة.
كما أن الاجور التي يحصل عليها الممثل من الشركة قليلة جداً مقارنة بالجهد المبذول، وعدد ساعات العمل الطويلة، ناهيك عن استغلال الشركات لحاجة الممثلين للعمل، ودفعها مبالغ زهيدة لهم، خاصة مع غياب العقود الواضحة، وعدم وجود نقابة تضمن حقوق الفنان.
صراع الشركات
وأضاف أحمد عيد وهو ممثل دوبلاج أن الصعوبات التي تواجه الفنانين متعلقة بالتجهيزات غير الاحترافية داخل الاستوديو، واعداد النص الركيك الذي يدفع الممثل للارتجال في بعض الاحيان حتى يتطابق الصوت مع حركة شفاه الممثل، إلى جانب موضوع الشللية الذي أبعد الكثير من الممثلين عن مزاولة المهنة بسبب خلافات مادية او شخصية او خلافات بينهم وبين ممثلين اخرين، لدرجة أصبحت الاصوات مكررة بكل الأعمال، وباتت المحطات المتبنية لهذه الأعمال تنتقد ذلك وتطلب من الشركات تنويع الاصوات وهنا فتح باب للمواهب الجديدة.
وأرجع عيد تراجع المهنة في سوريا إلى كثرة الشركات وصراعتها التي خلقت منافسة غير شريفة، بالاضافة إلى عدم تحديد سعر للاجور ماشكل فريقين بين الشركات، واحتكار الشركات لممثليها، ومساومتهم على تقديم دور بطولة لهم مقابل خفض الاجور.
ولفت إلى أن الشللية والممثلين غير الكفؤ لا يستمرون في المهنة بشكل كبير، فالشركة تهتم بالجودة، ويتحولون لاحقاً لمؤديين كومبارس.
وأوضح أن نقابة الفنانين حاولت أن تلعب دور ايجابي قبل سقوط النظام في تنظيم المهنة، ولكن للأسف كان دورها سلبي اكثر لعدم امتلاكها الرؤية الصحيحة لادارة الخلافات وسن القوانين الضرورية لتألق وانتشار المهنة .
وحول تاثر الدوبلاج السوري بإعلان لبنان تقديم أعمال مدبلجة باللهجة اللبنانية، قال عيد:” لا نعرف مدى تقبل الجمهور للهجة، ولكني متأكد انه لن يؤثر على الأعمال السورية لان اللهجة السورية مفهومة بكل الوطن العربي ومحبوبة وساهمت بشهرة اعمال تركية وهندية، و الأعمال المعربة لن تؤثر ايضاً، فهي موضة وسيأتي وقت وتنتهي”
دور نقابة الفنانين
أما بشأن دور نقابة الفنانين بتنظيم المهنة وحماية ممثليها، أشار احمد فراج وهو مشرف فني ومدير عمليات في احدى شركات الدوبلاج، أن على النقابة تنظيم القطاع ووضع حد للفوضى الحاصلة فيه من خلال تفعيل دورها في اعتماد الأصوات والتراخيص، وفتح ورشات تدريب مهنية معترف بها، وضع معايير واضحة لدخول المجال، مع لجان تقييم مستقلة.
بالإضافة إلى تفعيلها السوق واخراجه من حالة الركوض التي يعيشها، وتقديم تسهيلات ضريبية وإعفاءات مؤقتة، ودعم مالي أو منح للمشاريع الإنتاجية، وإطلاق صندوق دعم للفنون الصوتية، ووتسهيل التصدير الإعلامي للخارج.
وشدد على ضرورة منح النقابة فرصة للمواهب الجديدة شريطة وضع معايير مهنية صارمة، وخضوعهم لاختبارات أداء حقيقية تحت إشراف لجان محترفة من ذوي الخبرة، وإقامة ورشات تدريب رسمية معتمدة لهم، وإضافة مادة الدوبلاج في المعهد العالي للفنون المسرحية لكي يُخرج دفعات مدربة على أسس علمية وصوتية دقيقة.
إلى جانب اعتماد نظام تراخيص للعمل بالدوبلاج، بحيث لا يُسمح لأي شخص بالدخول دون اجتياز متطلبات فنية وأخلاقية محددة
تراجع الأجور
ولفت هادي السردي وهو ممثل دوبلاج إلى أن الممثلين يعانون من ندرة الأعمال خاصة بعد سقوط النظام، إذ أثر ذلك على العقود وأماكن التواجد بالاستديوهات وأماكن التسجيل.
كما أشار إلى أن الممثلين يعانون من التفريق بينهم، فمثلا خريج الاعلام الراغب بالعمل لا تقدم فرص له سوى بالتعليق الصوتي خاصة الوثائقي، فيما يحصل الممثل على فرص أكثر، خاصة بعد صدور قرار عدم استدعاء اي شخص لا ينتمي للنقابة للتمثيل في الدوبلاج.
وانتقد السردي عدم حصول المواهب الجديدة على فرصة لاجراء اختبار صوتي ضمن استديوهات الشركات، وندرة حصولهم على فرصة.
فيما أشار إلى أن معاناة المخرجين والمشرفين الفنيين تتمثل في فروقات الأجور الذي يحدده مكان الشركة او العقد الموقع بينهما، مبيناً أن خفض الأجر الحاصل في المهنة بعد سقوط النظام كان سببه انخفاض قيمة الدولار مقابل الليرة السورية، فسعر المشهد بالشركات مرتبط بالدولار، ويتقاضى الممثل دولار واحد على المشهد التمثيلي.